16 - 06 - 2024

مدينتي الفاضلة | أنا مش باحبه حب شريف!!

مدينتي الفاضلة | أنا مش باحبه حب شريف!!

هذا العنوان وكأنه "نبوءة في نكتة" لصلاح جاهين في عدد مجلة "صباح الخير" من 63 سنة!! وجدت النكتة وسط ثورة فكر مدهشة، ملأت مجلد 1957- 1960!! المجلد جفت أوراقه، لكن عاشت أحبار كلماته ساطعة.. وقتها كان عبد الناصر ينادى بقومية عربية، وسوق عربية مشتركة، ويهدد في خطبه بنتف دقن من يعاديه، والشعب يصفق زهوا.. انتكسنا ففرض الأمن سقفا للحرية وعشنا فيلم " الكرنك"، ثم مات الزعيم كمدا!!

نكتة جاهين قبل قمع الحريات، رسم "قيس" قافش "ليلى" في حضن مواطن خليجى في الصحرا وكتب:- "ماتزعلش.. أنا مش بحبه حب شريف"، تمادت ليلى وامتعض قيس فقط!!    

المجلد أحيا روح ثورة 1952.. مناخ  جامح أفرز كتاب وصحفيين ورسامين أحرارا، شباب عفي ارتفع بفكر ومستقبل المصريين.. كانت نكتة الليثى أو حجازي أو جاهين نفير صحيان للحاكم والمحكوم.. التحقيقات والمقالات أجهزة استقبال (جي بي اس) ترشد إلى أقصر طريق للحياة الكريمة لكل مصري.. نور العلم والحرية.

نرجع لجاهين احتفالا بمئويته.. طاقة إبداعه أطلقت سواعد المصريين، رباعياته رسائل غرام بمصر، غناوي تغذيها أشجان المواويل.. أناشيد وطنية جعلت الحقول والمصانع مساجد وكنائس مشتركة.. أزالت حدود الأمة العربية، وتنبأت بأمجاد :- " الفجر طالع مين يحوشه من الطلوع / ويا شعب يا ممنوع يا ويل من يمنعك / االله معك".. " الشعب قام يسأل على حقوقه / والثورة زي النبض في عروقه / اللي النهارده يحققه ويرضاه/ هو اللى بكره بهمته يفوقه".. امتلك الايمان ببسالة الشعب وصدق الزعيم، وجال يرسم ملامح مصر العظيمة.

حشد جاهين كل مصرى موهوب لتشييد مبادئ الثورة.. تصدرت ثومة وعبد الحليم الغناء، واصطف الشعب كورس.." كفاحنا يكون بكرة قصيدة ".. " كلنا كده عاوزين صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة " و"احكم ياشعب / خد بنفسك مكانك /يا بلادى كوني سعيدة".. أضواء المصانع وأعياد الحصاد، وكتائب الفكر والثقافة والفن انطلقت ولا عائق، أفلام أدبائنا مشاعل.. أنا حرة، الحرام، الزوجة الثانية، ملحمة عبدالرحمن الشرقاوى الأرض.. اعلان نجيب محفوظ لحالة السخط العام وخلط السياسة بالدين لتغييب الشعب في ثرثرة فوق النيل.. اغتراب جيل المتعلمين في قنديل أم هاشم.. مواجهة عبد الناصر بالشعب في إجازة فيلم شيء من الخوف، والتقارير تلمح بكونه الطاغية عتريس.. أغنية على الممر الذي انتهى بإنشاد الكتيبة المحاصرة في الصحراء " أبكي أنزف أموت/ وتعيشي يا ضحكة مصر/ وتعيش يانيل ياطيب/ وتعيش يا نسيم العصر".. زخم فني وطني مبشر بمدينة فاضلة.

 صغارا رضعنا مناخا نمي زروعنا.. شببنا لنصطدم بأسقف تضغط لننحني!! تنقلب الأحوال سريعا..ضربت النكسة، فأطفأ جاهين مصابيحه.. فتحت سجون الفكر زنازينها لحماية انفتاح توحش والتهم هويتنا.. فتح الخليج معابر تبادل منافع، ولما ارتقى، خلع عباءته علينا لتحجبنا، وأفرز جشعا.. بات للشعب مجلسا نوابه درع للحكومة طمعا في عطايا الحصانة، ومكتسبات أي سلطة!! 

ساد الفساد وتجذر، ضربنا فيروس الرأسمالية، حتي باتت حضارة اسكندرية كفر الأعور أبو رجل مسلوخة الهوية!! وانبرى محافظ القاهرة ينافسه في توفير مصروفاته!! طوفان تجريف وتشويه لمواقع أثرية حولت التاريخ سيركا بمحلات وكافيهات تستظل بأسمنت الكبارى!! تبتلع توسعة الشوارع وأشجارها.. التهموا البراح الأخضر  لقلعة صلاح الدين حديثا بجسارة مدهشة، لينتعش بيزنس المحافظة!! يا قيس.. الحب لازم يكون شريف.
--------------------------------------
بقلم: منى ثابت 


مقالات اخرى للكاتب

مدينتي الفاضلة | مين قطع النور عن مين؟!





اعلان